الخميس، 26 أبريل 2018

الإعتبار بالإختبار (1) خطبة جمعة مفرغة للشيخ عبدالله بن صالح هادي المدخلي


الإعتبار بالإختبار

الحمدلله , الحمدلله  الذي جعل الليل والنهار خلفة  لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً , أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , جعل في تبدل الأيام عبرة وتذكيراً , وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله , بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه  وسلم تسليماً كثيراً .        أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ  }

عباد الله  : إننا في هذه الدنيا , في دار إبتلاء وامتحان واختبار , وهو إختبار دائم لا ينقطع إلا بالموت , ثم يعقبه إختبار آخر في القبر , وستظهر النتيجة يوم القيامة , { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}  , فلتنظر نفس ماقدمت لغد , وإننا ياعباد الله في هذا الإختبار مراقبون في أفعالنا وفي حركاتنا وسكناتنا , يقول الله تعالى { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } , فلا تغرنكم الحياة الدنيا فتشغلكم عما أنتم فيه من الإختبار , فالأنفاس محدودة , والأوقات محدودة , ومن لم يجتهد في إختبار الدنيا فإنه معرض للسقوط في نار جهنم يوم القيامة , بعد غدٍ يتجه أبناؤنا إلى أماكن الإختبار الدنيوي , نسال الله تعالى أن يوفقهم ويرفع درجاتهم  في الدنيا والآخرة , من أجل هذا الإختبار مواعيد النوم  تتغير وأعداد المصليين تتكاثر!! , محافظة على الأوقات وهجر للعب والملذات هذا أب يُمَنِّي أولاده , وآخر لأولاده يتوعد !! إنه الإختبار يا عباد الله ! والإهتمام بالإختبار لا عيب فيه ولا عتاب عليه , بل هو أمر محمود يمدح فاعله , ولكن العيب والعتاب  والمذمة في عدم إهتمامنا بالإختبار الأُخروي , إن الكثير من الأباء والأمهات يحرصون على إيقاظ أبنائهم مع أذان الفجر أو قبله في أيام الإختبارات , ليذاكروا ويراجعوا , فكم من الأباء والأمهات يهتمون بإيقاظ أبنائهم لصلاة الفجر والعصر , والتي تمر كثيراً وكثيراً , وكثير من أبناءنا في نوم عميق , إن كثيراً من الأباء والأمهات يحاولون تحفيز أبنائهم  على المذاكرة  بذكر فلان وفلان , ممن اجتهدوا فنجحوا , وتفوقوا فتقلدوا أعلى المراتب والمناصب الدنيوية , فكم من الأباء والأمهات يذكرون أبناءهم ويحفزونهم ليقتدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم ويتبعوه ليتبوأوا , أعلى المراتب والمنازل في الدنيا والآخرة ؟!

إنه  لمن الشقاء الواضح والخسارة البينة , أن يظل إهتمام الإنسان منصباً على الدنيا وزخرفها , أما الآخرة فالإهتمام بها قليل , والإجتهاد لإجتياز إختباراتها ضئيل , إن الموفق ياعباد الله [ من استفاد من المواقف الدنيوية فتذكر بها المواقف الأخروية ] , ونحن  مقبلون على الإختبارات .

تذكروا  يا عباد الله [ يوم السؤال والحساب ] , يوم يحشر الخلائق في مكان واحد تحيط بهم الملائكة , من كل مكان { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ () يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } , تذكروا ياعباد الله يوم العرض على الله يوم العرض على الله جل جلاله { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } , ( وما منكم من أحد إلا سيكلمه الله , ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه , فلا يرى إلا ما قدم , وينظر أشأم  منه فلا يرى إلا ما قدم , وينظر بين يديه  فلا يرى  إلا النار تلقاء وجهه ( فاتقوا النار ولو بشق تمرة ) رواه مسلم .

تذكروا ياعباد الله أن الله سائلنا عما قدمنا يقول الله  تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ () عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } تذكروا أنه ( لن تزول قدما عبد يوم القيامة , حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيما أنفقه ؟ وعن علمه ماذا عمل فيه ؟ ) .

تذكروا يا عباد الله أننا مسؤولون عما تحت أيدينا , فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته , والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده  ومسؤول عن رعيته ) رواه البخاري ومسلم .

تذكروا ياعباد الله أن أول مايسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة , فإن قُبلت , فقد أفلح وأنجح , وقبل سائر عمله , وإن ردت فقد خاب وخسر , ورد سائر عمله , فأين الإستعداد يا عباد الله لإختبار الدار الآخرة ؟! وكيف تكون الإجابة عن تك الأسئلة وغيرها ؟ في ذلك اليوم العظيم ! { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } , { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ () وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ () وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ () لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }

{ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ } , { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } , { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} , {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} ألا فليحاسب الإنسان نفسه قبل أن تحاسب , فإنه من حاسب نفسه ها هنا خف عليه الحساب هناك , فاتقوا الله يا طلاب الدار الآخرة , وأطيعوه وراجعوا كتاب ربكم والزموه , واقتدوا بنبيكم ومعلمكم واتبعوه , ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون , أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه , وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبة الثانية :

الحمد لله على إحسانه , والشكر له على توفيقه وامتنانه , أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيماً لشأنه , وأشهد  أن محمداً عبد الله ورسوله

الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه  , أما بعد فاتقوا الله عباد { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } .

معاشر الطلاب : تجملوا  بلباس التقوى , فإنه من اتقى  الله جعل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً , وجعل له من أمره يسراً , ورفع درجته وأعلى منزلته في الدنيا والآخرة , خذوا بأسباب النجاح والفلاح , وذاكروا واجتهدوا فإنه من يتعب اليوم يرتاح غداً ـ بإذن الله تعالى ـ إلجؤوا إلى ربكم وسلوه التوفيق في الدنيا والآخرة , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال ( ياحي يا قيوم برحمتك أستغيث ) رواه الترمذي .

إياكم أن تفكروا بالغش أو تخططوا له , أو تتفقوا عليه فإنه حيلة العاجزين , وطريق الفاشلين وصفة ذميمة لا تليق بعباد الله المؤمنين , يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من غش فليس منا ) رواه الترمذي .

ومن توظف بشهادة مبنية على [ الغش ] كان مكسبه [ محرماً ] , خاصةً إذا كان الغش في سنة الحصول على الشهادة التي توظف بها أفتى بذلك الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - احترموا العلم وعظموه واعملوا به , وإياكم أن تهينوه , إياكم و الجلوس على كتب العلم أو رميها أو تعريضها لأرجل المارة أو وضعها في الأماكن القذرة فإنه من امتهن كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ , فقد عرض نفسه للإهانة , ولربما كان ذلك سبباً لخذلانه وشقائه وحرمانه وعدم توفيقه .

معاشر الطلاب :

في أيام الإختبارات تكثر التجمعات الطلابيةُ خارج المدارس , وتزداد جلسات الأنس على  الأرصفة وفي المطاعم , وهي فرصة قد يستغلها الأشرار للتغرير ببعض أبنائنا واستمالتهم إلى مساوئ الأخلاق وفيها قد يتعرف الشاب على أصدقاء السوء , وقد يلبسون عليه بمعسول كلامهم ليشاركهم تفحيطهم ودخانهم وشيشتهم وقاتهم وحبوبهم وتسكعهم في الشوراع وحول مدارس البنات , فاحذروا أيها الأبناء رفاق السوء وأساليبهم ولا تسمعوا منهم كلاماً  , ولا تفتحوا لهم مجالاً فالسلامة منهم غنيمة , والبعد عنهم سعادة , فالنجاح لا يمكن أن يأتي [ بحبة ] والتفوق لا يمكن الوصول إليه بمنشط , فلا تصدقوا مهما قال لكم المروجون , ولا تجربوا مهما حاول المفسدون , فالمخدرات [ فشل وضياع ومرض وإنحراف ] والأيام كفيلة بأن تخبركم بأخبارهم وفشلهم وفسادهم , وإن كان حالهم شاهد بذلك وناطق , احذروا أصدقاء السوء ولا تخالطوهم , واغتنموا أوقاتكم في المذاكرة وعودوا إلى بيوتكم حال إنتهائكم من الإختبار , فإن أباءكم وأمهاتكم , قلقون عليكم وبانتظاركم يريدون الإطمئنان عليكم , ويا أيها المعلمون يقول الله تعالى:  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ  .

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه اللَّه تعالى - لقد أمرنا اللَّه عز وجل أن نؤدي الأمانات إلى أهلها , وأمرنا إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل , وإن الإختبارات أمانة وحكم , فهي أمانة في وضع الأسئلة , وأمانة حين المراقبة , وهي حكم حين التصحيح , انتهى كلامه رحمه اللَّه , ويا أيها الأباء رفقاً بأبنائكم شاركوهم مشاعرهم وأدخلوا السرور , عليهم وخففوا عنهم , علموهم وأرشدوهم وأعينوهم وابتعدوا عن [  التأنيب والترهيب والسب والشتم والتعيير والاستهزاء فإن ذلك يؤثر في نفوسهم , ويضعف تحصيلهم , وادعوا لهم ولا تدعوا عليهم فإن دعاء الوالدين مستجاب اللهم هبلنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً , اللهم أصلنا لنا ذرياتنا ووفقهم ويسر عليهم اختباراتهم , اللهم وفقكم للدرجات العلى في الدنيا والآخرة , اللهم وفقنا وأبنائنا لما تحب وترضى , اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين , اللهم وفق أبنائنا وبناتنا واشرح صدورهم للعلم النافع والعمل الصالح وانفع بهم الإسلام والمسلمين , اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين ياقوي يا عزيز , اللهم اغفر  للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين ,  اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى , اللهم وفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك وانصر به دينك وأعلي به كلمتك يا أرحم الراحمين , اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين , اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات , اللهم اغفر لموتى المسلمين  اللهم اغفر لهم وارحمهم  وعافهم واعف عنهم  وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم , ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس  , اللهم جازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً , اللهم نور لهم وافسح لهم فيها , اللهم نورعليهم قبورهم وافسح لهم فيها يا أرحم الراحمين , اللهم وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين واجعلنا من ورثة جنة النعيم , يا أرحم الراحمين اللهم لا تفرقنا إلا بذنب مغفور وعمل صالح متقبل مبرور  ياكريم  ياغفور والحمد لله رب العالمين , وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


 
للتحميل ملف pdf اضغط هنا

اسهم معنا في نشر الخير

الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 التعليقات :