الأربعاء، 25 أبريل 2018

تفريغ كلمة الشيخ محمد بن هادي حفظه الله الموجهة للإخوة بدور الحديث في الملتقى الرابع بمدينة فاس بالمملكة المغربية


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين  .

أما بعد :  فنسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقني وإياكم معشر الأحبة، العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل اجتماعاتكم هذه مباركة، و أن يعم بنفعها بلاد المغرب عامة وأن ينفع بها الإسلام والمسلمين وأن يجعلها في طاعته وفي ومرضاته وفي السعي فيما ينفع المسلمين وأبناء المسلمين ويظهر الله به الدين ويعلي به الحق، وينشر به السنة ويظهر به العلم، ويمحو به الجهل، إنه جواد كريم  .

أيها الإخوة في الله : إن العلم من أعظم ما أنعم الله سبحانه وتعالى به على العباد، وإن تعليمه للناس من أعظم القرب التي يتقرب بها إلى الله جل وعلا، وأعظم ما يتقرب به إلى الله جل وعلا أيضا في الأزمان التي يكثر فيها الجهل وتفشو فيها البدع ويقل فيها العلم وتذهب أهله، فلا شك أن القعود للناس وتعليمهم أمور دينهم لا شك أنه من أعظم الطاعات وأجل القربات عند الله تبارك وتعالى، ودوركم هذه دور الحديث التي يسر الله سبحانه وتعالى لكم إنشائها في بلدانكم المتباعدة سوءا كانت مدنا أو قرى، أو قرى حول بلادكم، يفد إليها الطلاب فيتعلمون كتاب الله جل وعلا ويتعلمون التوحيد ويتعلمون السنة ويتفقهون في أحكام دينهم، لا شك أن هذه الدور لها نفع عظيم، وأجر القائمين عليها عند الله تبارك وتعالى عظيم، إذ في ذلك الصبر على الناس وتحمل المشقة والإنقطاع عن السعي في مشاغل النفس وحاجات النفس في هذه الدنيا والإنقطاع عن ذلك والإتجاه إلى ما يقرب إلى الله جل وعلا ويعم به النفع في الدنيا وفي الآخرة.

لا شك أن عملكم هذا معشر الأحبة من أعظم الأعمال وأرجاها عند الله تبارك وتعالى لكم ثوابا، إذ لقعودكم لتعليم المسلمين وأبناء المسلمين وتفقيه المسلمين لكم في ذلك الخير العظيم، ومن فضل الله جل وعلا عليكم وملائكته ، وحتى الحيتان في الماء، والنمل في جحرها ، تستغفر لكم لأنكم تعلمون الناس الخير، فهذه نعمة من الله تبارك وتعالى من بها عليكم فاحمدوه عليها وإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : { *خيركم من تعلم القرآن وعلمه* }  [1] .

وقد رأيت في دوركم هذه التي زرتها كونها في أعلى طريقها مما عرفت من خلال الإتصال بإخوانكم فيها ومن التواصل بيني وبينهم، هذه الدور قائمة بتعليم كتاب الله وتحفيظه للناشئة، والتصحيح للعامة وللكبار ونفع الكبار أيضا وتعليم الناشئة التوحيد وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أن هذه الدور ينطبق عليها وعلى أهلها قوله عليه الصلاة والسلام :  { *خيركم من تعلم القرآن وعلمه}* ولقد كان بعض سلفنا الصالح يحبسه هذا الحديث، فقد حبسه على الناس قرابة سبعين عاما وهو حابس نفسه على تعليم الناس لأجل هذا الحديث ليدخل في قوله عليه الصلاة والسلام { خيركم من تعلم القرآن وعلمه} ويقول  عليه الصلاة والسلام { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص  ذلك من أجوره شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا} [2] أو في الوزر لا  ينقص من وزرهم شيئا  .

وأنتم قد تفرغتم في هذه الدور وفرغتم أنفسكم وحبستموها عن كثير من مصالحكم الخاصة، لا لشيئ ، إلا لإيصال الخير إلى الغير، كما أسأل الله جل وعلا ألا يحرمكم الأجر وأن يبارك في أعماركم وأعمالكم هذه ، وإن اجتماعاتكم هذه التي تجتمعونها في جميع أنحاء المملكة المغربية الشقيقة وفقها الله وحماها من كل سوء ومكروه، وبارك فيها ونشر الخير فيها، ووفق القائمين عليها للخير، وهيأ لهم البطانة الصالحة، وأبعد عنهم بطانة السوء ، هذه البلاد التي أنتم تتزاورون فيها في دور الحديث أهل الشمالية وأهل الجنوب وتارة أن تمر خلال الشمال وتارة أهل الشمال والجنوب يلتقون بالوسط وتارة أهل الشمال والوسط يلتقون بالجنوب يجتمعون، يتذاكرون الأمر بينهم فيما تحتاج إليه الدعوة ، وفي العوائق التي تواجهكم أو تواجه بعضكم في بعض المناطق فتتشاورون لحلها، لا شك أن هذه اللقاءات كلها لقاءات مثمرة، لأنها لقاءات عن خير واجتماعات فيما بينكم، يتواصى بعضكم فيها مع البعض الآخر فيما ينفع هذه الدعوة ويثمر فيها ويعون على نشرها ونشرها بين الناس وإظهارها بين الناس وانتفاع الناس منها ومحاولة دفع عادية السوء عنكم وعن هذه الدعوة المباركة وعن الدعوة السلفية.

  لا شك أن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه وضعيف بنفسه قوي بإخوانه ، { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا كما قال عليه الصلاة والسلام وشبك بين أصابعه}  [3] ، ولا شك أن المرء يقوى بإخوانه

وما المرء إلا بإخوانه *** كما كانت الكف بالمعصم

ولا خير في الكف مقطوعة *** ولا خير في الساعد الأجذم *[4]*

فاجتماعكم معشر الأحبة هذا أو اجتماعاتكم كلها فيها خير، والغرض منها، هذا الذي ذكرنا .

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينكم عليها أن يوفقكم وأن يجعلكم موفقين مسددين تخرجون بما ينفع هذه الدعوة السلفية المباركة ، ما ينفعها من المشورات الصائبة والآراء النافعة والتوجيهات السديدة بعضكم مع بعض يدفع عن هذه الدعوة العوادي ويبين بعضهم لبعض كيف يسلك من ورودات بعض المصائب ويصبر بعضكم بعضا هذا لا شك كله عمل صالح ، لأنه من التعاون على البر والتقوى قال جل وعلا : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ ِ ۚ} الآية *[ المائدة (2)]*

هذا الواجب علينا وعليكم جميعا :  أن تتعاونوا فيما بينكم وأوصيكم ونفسي مع التعاون بالتراحم، وأصيكم ونفسي مع التعاون و التراحم بالتطاوع والمشاورة للخير والتعاون على الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك أوصيكم ونفسي بأن ترفقوا بالناس وأن تيسروا على الناس في حدود المصالح الشرعية والحدود الشرعية التي جاء التيسير بها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال عليه الصلاة والسلام { يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا} *[5]*

و.... لا تفترقا، واعتدلا ولا تختلفا، وتطاوعا فالتطاوع والتعاون بينكم معشر الأحبة أمر مهم بل لا تقوى مكملاتكم ولا تتحد كلمتكم ولا يقوى صفكم إلا بذلك وأن يلين بعضكم لبعض وأن يرحم بعضكم بعضا وأن يعذر بعضكم بعضا فيما يسيغ فيه العذر مما من الخطأ فبعض الخطأ من الإنسان، ما من إنسان إلا ويخطئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل الإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون *[6]  .*

والواجب علينا وعليكم جميعا الرفق فإن الله رفيق يحب الرفق و ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله سبحانه وتعالى ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ولا على ما سواه [7]

وأوصيكم معشر الأحبة ونفسي بتقوى الله، و بما سمعتم أن تتعاونوا، وأن تتعاطفوا، وأن تتراحموا، وأن تترافقوا وأن تتآلفوا، وأن تكونوا إخوة متحابين في الله تبارك وتعالى متعاونين على فعل الخير و على إيصال الخير إلى الغير و على هداية الغير إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، هذا هو المقصد فإن العلم مبارك فيه إن هو نشر وإن هو بث، والعلم كنز  ...  هو ويذهب إذا الانسان كتمه ولم يقم بحقه وهو تعليمه للناس كما قال عمر بن عبد العزيز فإن العلم لا يهلك وقول الإمام  البستي رحمهما الله :

فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا   *[8]*

فلابد من القعود للناس وتعليم الناس ، والصبر على ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأوصيكم أن تحرصوا على اللطف مع الجاهل و على الرفق في تبليغ الغائب وتحذروا كل الحذر ممن أثاركم ليخرق كلمتكم ويشق صفكم فاحذروه كل الحذر وخذوه على جانب وانصحوه لعل الله جل علا أن يهديه ولعل الله أن يقذف النور في قلبه، ولعل الله جل وعلا أن يكشف وكزة الشيطان، الشيء الذي قذف في قلبه فإن حصل ذلك فهذا الذي نحب ويحبه كل مسلم صادق يحب الخير لإخوانه وأبنائه المسلمين في كل مكان،ى فإن أنار الله قلبه وظهر منه الصدق والندم  فالحمد لله، وإن لم تروا فيما بينكم عليهم أن يفرق صفكم، وأن يشق عصاكم وأن يشتت كلمتكم ووحدتكم فاحذروه كل الحذر، وابتعدوا عنه ولا تلتقوا به، وحثوا الناس عن البعد عنه، ولتكن كلمتكم واحدة على الخير، ولتكن كلمتكم أيضا واحدة في حب إلقاء الخير إلى الغير وإلى هداية الغير ، هذا هو الهدف الذي من أجله وفقكم الله وفتحتم هذه الدور ، دور الحديث لنفع المسلمين عامة و خاصة أما الخاصة فهم الطلبة والصغار الذين أتوا بهم آباؤهم وأولياؤهم لتعليمهم الدين وتعليمهم الشرع ولتعليمهم الكتاب والسنة ، وأما العامة فهم عامة إخواننا وآبائنا وأمهاتنا ممن لم يحلفهم الحظ من مثلكم على هذه المقاعد أو هذه المجالس فيتفرغوا لطلب العلم وكهل بهم السن تقدمت بهم السن أو زادت مسؤولياتهم وكثرت أشغالهم وارتباطاتهم بالكدح والضرب في الأرض لإبتغاء فضل الله والإنفاق على زوجاتهم وعلى عيالهم هؤلاء لا تنسوهم أن تفتحوا لهم اللقاءات الخاصة في دورات خاصة مسائية مثلا، كما حصلت من بعض دور الحديث وصارت كثير من إلقاء كلماتهم فيها ،  فاجعلوا لهم من هذه اللقاءات التي تعلمونهم فيها أحكام الدين الواجب على كل واحد منهم أن يتعلمه، يعني العلم الضروري العيني الذي لا يسقط على أحد، تعاونوا واستعينوا بالله وادعو الله سبحانه وتعالى أن يؤلف بينكم وأن يوحد صفكم وأن يجمع كلمتكم على الخير والهدى واسألوه سبحانه وتعالى أن يجنبكم أسباب الردى واسألوه سبحانه وتعالى أن يقيكم شر كل ذي شر وأن يعينكم على كل خير وأن يجعلكم مباركين وأن ييسر لكم الهداية هداية الناس وأن ييسر الهدى لكم وأن يجعلكم مفاتيح للخير مغاليق للشر ونسأله سبحانه وتعالى أن يعم بنفع هذه الدور جميع البلاد المغربية ومن قدم عليها من البلاد الأروبية مثلا .

  كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفقكم لكل خير وأن يجنبكم كل شر وأن يحميكم وأن يحفظكم بحفظه وأن يرعاكم برعايته وأن يكلأكم بعنايته وأن يزيدكم من العلم والإيمان

وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يزيدنا وإياكم من كل خير

وأن يعيننا وإياكم على كل خير وأن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يجعلنا وإياكم دعاة إلى الهدى وأن يهدينا ويهدي بنا وأن ييسر الهدى لنا وأن يجنبنا وإياكم جميعا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن .

كما أسأله سبحانه أن يرزقنا الفقه في الدين اللهم ارزقنا الفقه في الدين والبصيرة فيه والثبات على الهدى حتى نلقاك إنك يا ربنا سميع الدعاء جواد كريم  .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين  .

الأحد ٠٧ / شعبان(٨) / ١٤٣٩هـ ٢٢ / ابريل(٤) / ٢٠١٨م

┈┉┅━━❀━━┅┉┈

【 1 】رواه البخاري (5027)

【 2 】رواه مسلم ( 2674 )

【 3 】رواه البخاري (481) ومسلم (2585)

【 4 】من إنشاد محمد بن عمر الضبي【 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 86 مكتبة السنة المحمدية ت:الفقي 】

【 5 】رواه مسلم (1733)

【 6 】رواه الترمذي (2499) وحسنه الألباني

【 7 】رواه البخاري (6927)  ومسلم (2593)

【 8 】 البخاري » كتاب العلم » باب كيف يقبض العلم "أنظر" البخاري مع الفتح (1/194)
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 التعليقات :